-A +A
أعدها من صنعاء: أحمد الشميري
تحولات كبيرة حدثت في عدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة وقد تطرقنا لبعض نتائجها في سياق ما تناولناه في الأعداد السابقة حول دولتي جمال مبارك وسيف الإسلام القذافي وكواليسهما وأروقتهما. واليوم تفتش «عكاظ» في خفايا حياة رجل الظل اليمني أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس اليمني السابق، من دهاليز المؤسسة العسكرية إلى أروقة الدبلوماسية. لم تكن أحداث المناطق الوسطى في سبعينات القرن الماضي ولا حرب صيف 94 ولا حتى تفجيرات تنظيم القاعدة واختطافاتها المتكررة التي ولدت مع بزوع نجم نجل الرئيس اليمني السابق أحمد علي عبدالله صالح في أواخر عام 1996 لتقف عائقا أمام أحلامه الكبيرة في دولة يمنية حددت مفاصلها ومقاسها له وأسرته فقط لتصنع معها الأحداث الدامية وصراعات تتطور إلى صدامات ومنافسة بين أعمدة البيت اليمني الرئيسية التي كانت تساند والده وتجعل منه غطاء رأسها لتضع نفسها فاصلا بين الأخلاء.

ذلك الطفل الذي رأى النور عام 1972 واليمن يعيش حالة من الصراعات والانقلابات، ووالده حينها كان جنديا يحلم ببدلة جميلة يحملها من منطقة البرح بمحافظة تعز غرب اليمن حيث كان يؤدي خدمته العسكرية هناك ويهديها لوليده الصغير يغطي بها جسده الناعم كي يقي نفسه برودة صنعاء القارسة إلى جانب أحلام أخرى تتمثل بملاحقة مهربي المخدرات من الحبشة.
لكن العزيمة القوية التي بزرت في ملاحقة مهربي المخدرات والممنوعات أسهمت كثيرا في صناعة مستقبله والحصول على أولى الرتب والمناصب كقائد لمنطقة تعز التي زودته وأبناؤها ببعض الوسائل والخطط والأحلام الكبيرة وقربته من العاصمة صنعاء حيث يعيش ولده أحمد، ليصبح رئيسا لليمن في زمنها العصيب وينتقل معه الابن الفتي إلى السكن الجديد في القصر الجمهوري.
كانت براءة أحلام الطفولة وهو يهم في أول أيامه لدراسة الصف الأول في إحدى المدارس القريبة من القصر الرئاسي بالتحرير تراوده أسوة بوالده ولم يعلم أن الحظ يخبئ ريحا عاتية ستعيق كل ما يجول بعقله الصغير حينما يصبح أهلا للمسؤولية المتمثلة برياح الربيع العربي أو الثورة التي جلبته وأمه بنت الأكوع إلى قصر جميل وأثاث ورداء ومدفئة وسرير وحراسة وحياة بذخ، كان في حينها يداعبه اللواء علي محسن الأحمر الصديق الذي كان يصفه والده بالأخ غير الشقيق ويهديه الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر العلكة كونهما شركاء والده الرئيسين.
«عكاظ الأسبوعية» وهي تجول كواليس حياة أحمد علي عبدالله صالح تبحث عن بصيص أمل للحصول على أسرار رجل الظل الخفي ابن البوادي والقصور الذي عايش مع والده القساوة والبذخ بعكس إخوانه من بعده واستكمال بعض المعلومات والحقائق وجمع الصور.. كانت أسئلة وأفكار تعصف رأسي كريح في يوم غائم وأنا أجول العاصمة صنعاء من منزل الصديق إلى منزل الشقيق، والكل هنا بين خائف ورافض.. أتساءل: هل لا يزال نجل الرئيس اليمني السابق، العميد ركن أحمد علي عبدالله صالح يفكر بالسلطة والإدارة؟ أم أن ثورة الربيع العربي قد أجبرته على التخلي عن حلمه ووالده في التوريث؟ ما هي الأسرار الخفية وراء تخفيه وصمته وعلاقة بروزه في عام 1997 بالأحداث التي شهدتها اليمن طيلة السنوات الـ13 الماضية من حروب وصراعات؟ وكيف ينظر إليها الشعب اليمني بكامله المنافس قبل الصديق؟ ماهي أسباب الخلافات والمنافسة مع اللواء علي محسن ومع أبناء الشيخ الأحمر وخاصة حميد؟ مع أننا في محاولتنا التقرب من الشخصيات التي عاشت إلى جواره سواء في مرحلة الدراسة قبل أن يترجل من النظام العسكري ويخضع لإرادة اليمنيين ورئيسهم عبد ربه منصور هادي الذي اختاره للمنصب الجديد كسفير لليمن في الإمارات.. وبطبيعة الحال فإن الكل كان يرفض الحديث بمن فيهم صديقه نبيل الصوفي الذي كان يعدنا ثم بعدها يتوارى ولا يجيب على هاتفه، غير أنه في اليمن دائما يقال: «الخير لا يزال موجودا»، فلقد وجدنا من يساندنا في مهمتنا ويقدم لنا المعلومة وبتحفظ جراء موجة الاتهامات التي تمر بها اليمن ومحاولة فئة وضع خلافات الداخل على شماعة الخارج.
جوانب خفية في حياته
هناك جوانب من حياته لا تزال خفية لن يفك طلاسمها إلا المارد الأكبر في حياة العميد أحمد، أو من يوصف برجل الظل الذي لا يزال لاعبا سياسيا قويا في الساحة السياسية اليمنية رغم انتقاله للعمل الدبلوماسي ويصر على ضرورة أن يظل تحت الستار على أمل أن ينفعه صمته في تحقيق ما لم يحققه والده.
الكل هناك يجمع على أن الحاشية التي يعود لها أحمد علي عبدالله صالح لا تزال تجعله يحظى باحترامهم وتأييدهم لمواقفه رغم الآثار التي أفرزها تمسك والده بالسلطة والذي أوصل حياتهم المعيشية واليومية إلى وضع لا يحسدون عليه، فبسطاء القوم في اليمن وكذا فئة كبيرة من السياسيين يرون في أحمد رجلا عصريا ومتعلما لم يخدمه الوقت بتحقيق أهدافه التي حملها في طفولته وعاد بها إلى جانب رتبة «رائد» من المملكة الأردنية عام 96.
شهود خارج الحلبة
الصحفي والمحلل السياسي محمد الطويل اعتبر أن الفشل الذي أصاب البسطاء وعامة الشعب نتيجة حكم نظام والد أحمد «علي عبدلله صالح» ألحق الضرر به وأن هناك حبا دفينا واحتراما لشخص أحمد نظرا لأنه لم يبرز إعلاميا ولم يثر حوله أي قضايا مع أن والده حاول أن يقزمه في معظم الأوقات كونه لم يستوعب الوضع ويعمل على إدارة مرحلة ديمقراطية حقيقية في عام 2006 تسمح مستقبلا لأن يصبح أحمد في موقع والده على كرسي الرئاسة.
فلقد عاد أحمد إلى اليمن بعقلية كبيرة وحضارية وبأفكار كبيرة اكتسبها في مرحلة تعليمه الجامعي خارج اليمن أو النظامي في العاصمة صنعاء، كانت بداية مرحلته طبيعية، وكان والده حريصا على أن يكسبه المهارات والشجاعة والإرادة والحصافة والعلم الذي يرى فيه خطوة أولى لبلوغ السلطة إن أحسن التصرف.
وأفادت شخصيات يمنية مسؤولة لـ«عكاظ» بأن والده كان يصر بل ويشدد على ضرورة أن لا يشعر الآخرون بأن لديه ابنا في تلك الفترة التي هي المراحل الأولى لحكمه وأشدها خطورة عليه وأولاده في محاولة لحمايته، وكذا يبني نفسه بنفسه ويجعله واثقا من نفسه.
وقالت المصادر إن صالح كان حريصا على أن لا يقدم أي مسؤول المعونة أو المساعدة في دراسته من تقديم الغش أو الحلول الجاهزة أثناء الاختبارات لإنجاحه لكونه ابن الرئيس، ويهدد بعقوبات للشخصيات التي لا تتعدى أصابع اليد من الحراسة والمسؤولين ويلوح أمامها بالجزاءات الكبيرة ضدهم، وكان من أبرز المقربين ورفيق دربه أثناء دراسته ابن عمه يحيى محمد عبدالله صالح قائد الأمن المركزي سابقا.
ويقول أحد زملائه الذي رمز إلى اسمه بـ«محمد»: «كان أحمد مثالا لنا في التعامل والأخلاق والبساطة والهدوء والذكاء، لكنه وبعد استكمال الثانوية غاب عن الأنظار وكانت لقاءاتنا به نادرة أي حينما يعود إلى البلاد من سفرياته لا نعلم أنه يعيش في دار الرئاسة أو في منزله أو خارج البلاد».
الابتعاث
وما إن انتهى من دراسته النظامية حتى قام والده بابتعاثه لدراسة البكالوريوس في العلوم الإدارية بإحدى الجامعات الأمريكية، وهناك التقى عددا من أبناء الرؤساء والزعماء العرب وبنى علاقات مع الكثيرين منهم، أبرزهم الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين وشخصيات أخرى بشار الأسد، ولم يكتفِ بمراحل دراسته للبكالوريوس بل إنه عاد لتحضير الماجستير في المملكة الأردنية حيث حصل على الماجستير منها، كما أنه خاض غمار تجربة أخرى تتمثل في الدخول في دورات عدة وفي الكثير من دول العالم ابتداء من الأردن وانتهاء ببريطانيا وأمريكا وذلك في مختلف العلوم العسكرية التي تلقى فيها أغلب تدريباته العسكرية والتي أهلته ليصبح قائدا إداريا وعسكريا في نفس الوقت، ويعود إلى بلده العاصمة صنعاء في عام 1996 حيث كان والده قد أنهى حرب صيف 94 وأجرى الانتخابات الرئاسية وضمن بقاءه لخمسة أعوام أخرى، وكذا تغلب على من أثار تلك الحرب التي كادت تمزق وحدة اليمن بعد أربعة أعوام من التئام شطريه، وأثناء وصوله صنعاء أقام والده حفلا كبيرا لتخرجه، حيث عاد أحمد حاملا معه شهادات كثيرة إدارية وعسكرية ورتبة رائد حصل عليها من تجربته في التدريبات العسكرية.
ويرى مستشار الرئيس اليمني الحالي لشؤون الدراسات الدكتور فارس السقاف أن دورات دراسة أحمد في الأردن لعبت دورا كبيرا في تأهيله ليصبح قائدا عسكريا إلى جانب أنه تخرج بدرجة بكالوريوس في العلوم الإدارية من إحدى الجامعات الأمريكية، وكل ذلك زاد من معارفه حيث ظل خفيا طيلة فترة شبابه لم يكن أحد يعلم بأن أحد أبناء الرئيس في تلك الحقبة وبذات العمر يدرس خارج البلاد.
عواصف مفاجئة
يومها بدأت أنياب الأسود بجانب صالح تكشر في وجهه وبدأت معها الأحاديث والتحليلات حول التوريث، فيما رأت أخرى في بروز أحمد رسالة قوية مفادها بأنه من اليوم وصاعدا لديه بدائل جديدة وشابة، حيث كانت خطابات صالح تتوجه نحو الشباب والدماء الجديدة وضرورة أن يتم السماح للشباب بلعب دور ريادي في المرحلة القادمة، كان يوجه كل قيادات حزبه لانتقاد أمناء عام الأحزاب التي تتمسك بكبار السن، فيما كانت توجه رسائل نحو البرلمان الذي وصف في حينه بأنه عجوز كون رئيسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر.. الكل كان يقرأ الرسائل بأنها محاولة لتعبيد الطريق لنجله نحو القصر الرئاسي.. كان صالح في منافسة قوية مع الرئيس المصري حسني مبارك الذي كان هو الآخر يؤهل نجله لذات المهمة.
ويقول أحد أبرز أقارب صالح لـ«عكاظ»: «منافسة علي عبدالله صالح مع حسني مبارك ليس فقط في الأبناء بل وصلت إلى المسابقة بمن يقدم مبادرة في تسليم الرئاسة طوعا وخاصة عام 2006 حيث أجرى صالح اتصال بحسني مبارك فقال له: «دحنا مش نافعين للرئاسة نصلح الأولاد ونتركها لهم وأنا لن أترشح للفترة» فسبقه صالح وأعلن أنه لن يترشح للمرحلة القادمة، في هذا المضمار وضع صالح نفسه في إحراج، فحسني مبارك لم يعلن بعد، بل إنه سبقه في مبادرة، فيما حسني عاد وترشح فما كان من صالح إلا أن بحث عن طريقة للتراجع عن قراره من خلال الإيعاز لأصدقائه في إقامة دعوة مليونية له للترشح للرئاسة مع أنه كان يريد أن يرشح هادي كمحلل لابنه الذي لا يسمح عمره له بتولي هكذا مهمة ثم يعود ويترشح مجددا للرئاسة».
الكثير من الأوساط السياسية يرون أن أحمد حتى اليوم لا يسمح له القانون والدستور اليمني الحالي الذي يشترط عمر أربعين عاما أن يصبح رئيسا لليمن إلا إذا عطل الدستور، فطبيعة اليمن لا تتحرك بدستور وإنما بقوانين وأعراف القبيلة فقط.
عاصفة السياسة
كان بروزه في عام 1997 مرشحا برلمانيا في الدائرة التاسعة (الدائرة الذهبية) عن حزب المؤتمر الشعبي العام صاعقة للكثير من الأوساط الشعبية والسياسية وأملا كبيرا للعديد منهم، نظرا للحملة الإعلامية وتواضعه في التعامل مع كل من يجدهم أمامه أثناء حملته وفي تلك الفترة ذكرت الروايات أن أحد المسنين استوقفه أثناء مروره بسيارته الخاصة في العاصمة صنعاء منفردا طالبا منه المساعدة فقام بتقديم الخدمات له ونقله من أمام مستشفى الجمهوري إلى منزله الذي يقطنه في حي الدائري آنذاك.
خاض منافسة محتدمة بين حزب المؤتمر الذي رشح أحمد علي للدائرة التاسعة وحزب الإصلاح وعدد من الأحزاب الصغيرة فالاشتراكي وعدد من الأحزاب المناصرة له، كانوا يومها يواجهون حرب إقصاء وتهميش على خلفية حرب 94 باستثناء حزب الإصلاح الذي كان يوصف في حينه بشريك حزب صالح، ولذا عمد إلى إنزال منافسين أقل خطورة على أحمد علي عبدالله صالح في خطوات تشجيعية له ولظهوره الجديد رغم التخوف والتحسس من عدد من أقطاب الحكم من خطورة توقيت ظهوره على مستقبلهم وعلاقتهم برأس السلطة.
وأوضح المواطن اليمني محمد سعيد أن اختياره لأحمد في انتخابات 97 كان وراءه حملة الإعلانات التي حظي بها عن غيره من المرشحين، كما أن الشعب في حينه لم يكن على علم ودراية بأن لدى الرئيس ابنا بهذا العمر خاصة وأن ظهوره كان لا يزال حديث العهد وهو ما لفت انتباه الكثير من الناخبين في الدائرة التاسعة، إلى جانب أن الرجل المناسب المنافس لم يكن موجودا في تلك الدائرة التي رشح نفسه فيها أحمد عن حزب المؤتمر.
حصل أحمد على الأغلبية الساحقة في الأصوات بتلك الانتخابات البرلمانية عام 97، وظل عضوا في البرلمان حتى عام 2003 وكان في حينه يحظى داخل البرلمان بدعم وتأييد الكل لأسباب عدة، الأول أنه ابن الرئيس، الثاني أن حزب والده يملك الأغلبية وبحوالى 218 مقعدا من 301 مقعد، كما أنه لا يزال جديد على الساحة والكل يريد التقرب منه لمعرفة دوافعه ومع هذا لم يسمح لهم بأن يصلوا إلى مآربهم، فالرجل بطبيعته صامتا وأكثر المقربين له من أبناء رؤساء الدول وهو أكثر حضارة ويرفض حتى الهنجمة والحراسة الكبيرة.
وأوضح قيادي قبلي لـ«عكاظ» أن كل زائر من القبائل وخاصة ممن لديهم مجاميع من المسلحين لأحمد يشعرون بأنهم غير مرحب بهم، فالرجل حينما يشاهدهم يشعر بالتحفظ تجاههم بعكس والده الذي يرى فيهم رجال أقوياء وهو الذي أسهم في تشجيع القبائل والمجاميع القبلية حفاظا على كرسي الرئاسة.
وأضاف: «من أبرز ما كان يشعر الجميع بأنه يفكر في أن ما يدفعه والده للقبائل يصب في تدمير البلد، ويجب قطع الهبات عنهم.. وهذا بحد ذاته خطر داهم على والده جراء ضغط أحمد على والده بضرورة قطع الرواتب على زعماء القبائل فالكل يمنيون والفقراء هم الأولى بالدعم من خلال المشاريع التنموية، وأسهم وشقيقته بلقيس ابنة الرئيس في إجبار والده على تأسيس جمعية الصالح المعنية بالأعمال الخيرية ودعم الأشغال والمؤسسات الصغيرة».
عمد أحمد إلى فتح اليمن لأبناء الكثير من وزراء اليمن ومسؤولين منفيين خارج البلاد والذين تعرف عليهم أثناء فترة دراسته خارج اليمن ومنحهم وظائف قيادية في الدولة في خطوة أثارت حفيظة الكثيرين ممن لعبوا دورا في إثارة خلاف بين آبائهم وصالح في حقبة من الزمن، وكذا رأوا في تلك الخطوة بداية جريئة لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب واستيراد الكفاءات بدلا عن المعرفة والوساطة في الوظيفة القيادية.
بالطبع ليست الخطوة السياسية بترشيح ابنه للبرلمان هي الخطوة الوحيدة التي كانت تثير القلق، بل إن صالح عمد إلى إصدار قرار بتعيينه قائدا لقوات الحرس الجمهوري قبل أن ينشأ الحرس الخاص، كانت خطوة صالح يرى فيها أقرباؤه تشجيعا لابنه الفتي لكنهم في الأروقة الأخرى يناقشونها ويتابعونها بترقب.
كان ذلك بداية مثيرة ليست فقط في الأوساط العسكرية بل السياسية أيضا، فهناك من رحب بها، وهناك أبدى تخوفا، ومنهم اللواء علي محسن الأحمر الذي كان يمثل اليد اليمنى لصالح، وعلى يديه يتم تأهيل الحراسة الخاصة وترشيحها لحراسة «صالح»، كما أن جميع الأسلحة الحديثة كانت تمر عبر «قوات الفرقة» التي كانت توصف بقوات «النخبة» لتصل إلى قوات الحرس الجمهوري، والتي استغني عنها وتلك كانت بداية الجدل ونهاية التخوف من التوريث لبعض القيادات.
التوريث
كان علي عبدالله صالح يؤكد مرارا في خطاباته أن أحمد لن يكون البديل له مع أن الولد يبدي حنكته عسكرية وإدارية ويحاول تقديم نفسه بشكل متسارع، ويلقى ذلك كل الدعم من والده، حيث تقدم في حينه بمقترح يقضي بضرورة إنشاء قوات خاصة يطلق عليها «قوات النخبة» تتميز بتدريب عسكري قوي ويتم تسليحها بأسلحة حديثة ومتطورة وقوية منها منظومة الصواريخ، ولقيت فكرته إعجاب والده فأصدر توجيهاته في عام 2000 بإنشاء القوات الخاصة التي كان أفرادها يتلقون تدريباتهم الميدانية والمظلية على أيدي خبراء عسكريين ومدربين أمريكان وأردنيين وبريطانيين، وأضحت من أفضل وأقوى القوات اليمنية، وظل يقودها حتى تم عزله ودمجها في إطار الجيش اليمني في عام 2012 وتعيينه سفيرا دائما لليمن لدى دولة الإمارات.
ويقول السقاف: «كانت بداية بروز أحمد علي وترشحه للانتخابات البرلمانية تمثل توجها سياسيا مغايرا للكثيرين، وشكلت جدلا واسعا، غير أن صدور قرار بتعيينه قائدا للحرس الجمهوري ولا يزال في البرلمان هو الجدل الآخر الذي ظل حتى عام 2003 ولم يحسم إلا بانتهاء فترة البرلمان».
وأضاف: «لكن صالح مرارا يؤكد رفضه للتوريث مع أن عملية التوريث كانت ظاهرية وموجودة جراء قيام والده بمنحه رتبا عسكرية لم يحصل عليها أحد ممن خدم في الدولة لأربعين عاما، كما أنه مثل في حينه اليد اليمنى لوالده وكان الكل يخشى من أن يفرض أحمد علي نفسه بنفسه سواء عبر حزب المؤتمر أو بطرق أخرى مرشحا بديلا لوالده في الرئاسة». وتابع: «العنصر الأبرز الذي كان يخفف من قلق الكثيرين أن صالح لا يمكن أن يسمح لولده بالترشح وهو لا يزال في السلطة فهذا الأمر بحد ذاته غير وارد في نهج الرؤساء في المنظومة العربية بكاملها».
واسترسل قائلا: «بالطبع أحمد في حينه كان بإمكانه أن يقدم نفسه بديلا، فهو كان في أعين الكثيرين أنه رجل عصري ولم يحصل بينه وبين الآخرين أي صدامات في حينه ومسيرته في ذلك التوقيت كانت تؤكد أن الرجل يتوجه نحو الرئاسة بدلا عن والده».
واعتبر أن ما يحسم ذلك الجدل في أوساط فئات المجتمع اليمني في حينه هو أن والده لا يزال على قيد الحياة والناس والأطراف سلموا لصالح فقط السلطة، ولكن سيرفضون تسليمها لولده، هذا الأمر هو من جعل الأقطاب السياسية حول صالح مطمئنة في بقاء كرسي الرئاسة والسلطة بعيدة عن أحمد.
الكل يترقب، الكل كان يتابع إلى أين يتجه صالح وولده الذي كان نشيطا وعمليا، لا يظهر على الإعلام بل يتابعه الإعلام عن بعد، هل إلى قصر الرئاسة أم إلى مؤسسة الدفاع؟ وكلاهما خطر على المصالح الشخصية لبعض الأطراف الذين يرون في مصلحة اليمن لا شيء على مصلحتهم.
فاليمن بطبيعته تديره ثلاثة أركان رئيسية: «الرئاسة، العسكرن القبيلة» وهم فقط المتحكمون بموارده، واستقراره مربوط بمصالحهم الشخصية، هذا ما يعرفه الكل في هذا البلد الغامض أصلا كغموض نجل صالح.
كان العميد أحمد علي عبدالله صالح يبدو وكأنه درس وضع بلاده قبل أن يدرس الإدارة والعسكرية، فإذا لم يكن غامضا فإنه سيظهر للعلن وقد يحرق تماما ويصبح لا شيء عملة لا أهمية لها، ولذا ظل خفيا ويحظى باحترام أعداء والده قبل أصدقائه بحسب مراقبين للوضع اليمني.
فقصص أحمد لم تكتمل فصولها بعد ولازلنا في البداية التي تكرست في النشأة، فهناك محاولة لاستهدافه بقضايا فساد وهناك محاولة اغتيال تعرض لها في أحد ألوية الجيش اليمني، وهناك صراع مرير خلق معه، وكبر حتى صار فتيا، ومنهم من يصفونه بأنه أمريكي يحمل أفكارا أمريكية. كل هذا وغيره في سيرة حياة رجل الظل المثير للجدل، الذي برزت أعماله قبل صورته، ولا تزال تحوم في بلد مستقبل أبنائه مجهول، وبحسب وصف العامة «الإنتاج للأولاد علينا والرزق على الرحمن» لا تفكير بغد ولا تخطيط واضعا للمستقبل أبدا هناك.